حذف الخبر :
أولا ـ جواز الحذف :
يجوز حذف الخبر إن دل عليه دليل وذلك في موضعين :
1 ـ بعد إذا الفجائية : نحو : وصلت فإذا المطر . وخرجت
فإذا الأسد .
والتقدير :
فإذا المطر منهمر . وإذا الأسد حاضر .
2 ـ إذا دل عليه دليل ملحوظ ، وذلك بعد السؤال . تقول :
من غائب ؟ فيقال في الجواب : عليّ . والتقدير : عليّ غائب .
وقد يكون
الدليل غير ملحوظ ، وإنما يدرك من السياق
16 ـ نحو
قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
فنحن :
مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : راضون . أي : نحن بما عندنا راضون .
3 ـ إذا عطفت جملة اسمية على جملة أخرى خبرها غير محذوف
.
نحو : محمد
مجتهد وأحمد .
والتقدير :
وأحمد مجتهد . فحف الخبر لدلالة ما قبله عليه .
34 ـ ومنه الاّية
: ( أكلها دائم وظلها )1 .
والتقدير
: وظلها كذلك .
ثانيا ـ وجوب الحذف :
يجب حذف الخبر في المواضع التالية :
1 ـ إذا كان المبتدأ اسما صريحا في القسم .
نحو : أيمن
الله لأفعلن الخير . والتقدير : أيمن الله قسمي .
ونحو :
لعمرك لأشهدن الحق . والتقدير : لعمرك قسمي .
الاّية : (
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) 2 .
قول:
لَعَمْرُكَ ما أدري وإني لأوجل على أيِّنا تعدو المنية أولُ
ومنه قول :
لَعَمْرُكَ والخطوبُ مُغيِّراتٌ وفي طول المعاشرة التّقالي
ومنه قول
امريء القيس :
لعمرك ما أمري عليّ بغُمّةٍ نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد
فكلمة
" لعمرك " في الأبيات الثلاثة السابقة مبتدآت حذفت أخبارها . والتقدير :
لعمرك قسمي
.
فإن كان المبتدأ غير صريح في القسم ، بمعنى أنه يستعمل للقسم ولغيره ،
جاز حذف
الخبر وإثباته . نحو : عهد الله لتصدقن بما عندي .
ونحو : عهد
الله عليّ لأتصدقن بما عندي .
ففي المثال
الأول حذف الخبر ، وفي الثاني أثبته وهو : عليّ الجار والمجرور .
2 ـ أن يدل
الخبر على صفة مطلقة . بمعنى أن تكون الصفة دالة على وجود أو
" كون
" عام فتقدر بمعنى كائن أو موجود ، أو مستقر أو حاصل .
وذلك في
موضعين :
أ ـ أن
يتعلق بها جار ومجرور ، أو ظرف .
نحو :
الماء في الإبريق . والكتاب فوق المكتب .
ومنه الاّية
: ( الحمد لله ) 1 .
ومنه قول :
لنا قيس عليك وأيَ يوم إذا ما احمرَ أجنحة العُقاب
وقوله أيضا
:
منا عتيبةُ فانظر من تُعِدّ له والحارثان ومنّا الردفُ عتّابُ
والاّية :
( وعنده مفاتح الغيب ) 2 .
ومنه قول
المتنبي :
وبين الفرع والقدمين نورٌ يقود بلا أزِمَّتها النياقا
ب ـ أن يقع المبتدأ بعد لولا ، أو لوما .
نحو : لولا
الله لصدمت السيارة الطفل .
ونحو :
لوما خالد لما حضرت .
الاّية : (
ولولا نعمة ربك لكنت من المحضرين ) 3 .
قول :
لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب
يزار
قول:
ولولا عَسْبُهُ لرددتموه وشر مَنِيحَة عَسْبٌ مُعار
فإن كانت
الصفة مقيدة أي دالة على كون خاص ، كالمشي والركوب والقعود والأكل والشرب
ونحوها ،
وجب ذكر الخبر إن لم يدل عليه دليل .
نحو : لولا
العدو سالمنا ما سلم . ونحو : والطالب يعمل واجباته في منزله .
ونحو :
الطيور مغردة فوق الأغصان .
فإن دل
عليه دليل جاز حذفه وذكره .
نحو : لولا
مساعدوه لفشل . أو لولا مساعدوه قدموا له العون لفشل .
ونحو :
الأطفال في المدرسة . أو الأطفال موجودون في المدرسة .
3 ـ أن يكون المبتدأ مصدرا ، أو اسم تفضيل مضافا إلى
مصدر ، وبعدهما حال لا تصلح أن تكون خبرا ، وإنما تصلح أن تسد مسد الخبر في الدلالة عليه .
مثال النوع
الأول : تشجيعي الطالب متفوقا .
والتقدير :
تشجيعي الطالب حاصل عند تفوقه .
ومنه الاّية
: ( إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ) 1 .
كلمته :
مبتدأ ، وألقاها حال سدت مسد الخبر ، والعامل فيها معنى : كلمته .
والتقدير :
كأنه قال : منشؤه ومبتدعه . ويجوز أن يكون العامل فيها " إذا كان "
المحذوفتين
، فإذا ظرف للكلمة ، وكان تامة ، و" ألقاها " حال من فاعل كان . وهو مثل
قولهم : ضربي زيدا قائما . ومثال الثاني : أفضل صلاة العبد خاشعا .
والتقدير :
أفضل صلاة العبد عند خشوعه .
ولا فرق أن
يكون اسم التفضيل مضافا إلى مصدر صريح ، كما في الأمثلة السابقة ، أو مؤول .
نحو
: أفضل ما تساعد المحتاج مستترا .
والتقدير :
أفضل مساعدتك المحتاج عند الاستتارة .
كذلك لا
فرق بين الحال المفردة كما ذكرنا ، والحال الجملة .
نحو : أقرب
ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
ومنه قول
الشاعر وقد اجتمعت فيه الحال بنوعيها :
خير اقترابي من المولى حليف رضاً وشر بعدي عنه وهو غضبان
فالحال في
جميع الأمثلة السابقة دالة على الخبر المحذوف وهو حاصل ، وقد سدت مسده ، ولكنها لم
تصلح لأن تكون خبرا مباشرا لمباينتها للمبتدأ ، لأنه لا تتم بها الفائدة لو جعلناها
خبرا . نحو قولنا : تشجيعي الطالب متفوقٌ .
أمّا إن صح
الإخبار بها لعدم مباينتها للمبتدأ وجب رفعها .
نحو :
تشجيعك المتفوق واجب . وعقابك المهمل شديد .
4 ـ أن يقع الخبر بعد واو تعين أن تكون بمعنى " مع
" .
نحو : كل
رجل وعمله . وكل طالب وزميله .
والتقدير ،
متلازمان ، أو مقرونان .
الاّية : (
فإنكم وما تعبدون ما أنتم عيه بقانتين ) 1 .
قال الزمخشري
: يجوز أن تكون " الواو" بمعنى " مع " مثلها في قولهم :
كل رجل
وضيعته . فلما جاز السكوت على " كل رجل وضيعته " جاز أن يسكت على قوله :
" إنكم وما تعبدون " ، لن قوله " وما تعبدون " ساد مسد الخبر
، لأن معناه : إنكم مع ما تعبدون .
ويقول العكبري
: " وما تعبدون " الواو عاطفة ، ويضعف أن تكون بمعنى " مع
"
إذ لا فعل
هنا .
وفي الكشاف
يجوز أن تكون الواو بمعنى " مع " مثلها قولهم : كل رجل وضيعته .
فإن لم يتعين كون الواو بمعنى " مع " جاز إثبات الخبر .
كقول:
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى وكل امرئ والموت يلتقيان
فوائد وتنبيهات :
1 ـ يأتي المبتدأ معرفة وهو الأصل والخبر نكرة .
نحو : محمد
فاضل .
وقد يأتي المبتدأ معرفة ، والخبر معرفة أيضا .
نحو : الله
ربنا ، ومحمد نبينا .
الله :
مبتدأ ، وربنا خبر ، وهو معرف بالإضافة .
ومنه الاّية
: ( والسابقون السابقون )1 .
السابقون :
مبتدأ ، والسابقون الثانية خبره نحو قولهم : أنت أنت . ويجوز أن تكون الثانية توكيدا
للأولى ، ولكن يدعم الوجه الأول قول أبي النجم العجلي :
" أنا أبو النجم وشعري شعري "
وهو رأي
سيبويه أيضا على تعظيم الأمر وتفخيمه . (2)
2 ـ ويجوز تقديم المبتدأ إذا كان مصدرا مرفوعا .
نحو : سلام
عليكم .
ومنه الاّية
: ( وويل للكافرين من عذاب شديد ) 3 .
والاّية :
( فقال سلام عليكم ) 4 .
والاّية :
( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) 1 .
3 ـ تعدد الخبر :
الأصل في خبر المبتدأ أن يكون واحدا ، ولكنه قد يتعدد في بعض الأحيان فيكون
للمبتدأ الواحدة أكثر من خبر .
نحو : محمد
شاعر كاتب قاص .
محمد :
مبتدأ . وشاعر وكاتب وقاص ، كل منها جاء خبرا للمبتدأ .
ومنه الاّية
: ( هو الغفور الودود ذو العرش المجيد ) 2 .
هو : مبتدأ
، والغفور ، والودود ، وذو العرش كلها أخبار للمبتدأ " هو "
ومنه الاّية
: ( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا غله إلا هو ) 3 .
ومنه الاّية
: ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ) 4 .
ومنه قول :
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي
الوجي الوحِل
غراء ،
وفرعاء ، ومصقول كلها أخبار لمبتدأ محذوف تقديره : هي .
ومنه قول
الآخر بلا نسبة :
من يك ذا بت فهذا بتي مُقيِّظ مصيِّف مشتِّي
19 ـ وقول
حميد بن ثور الهلالي :
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان نائم .
وكما يتعدد الخبر المفرد يتعدد الخبر الجملة وشبه الجملة ، وقد يكون مختلطا .
فتعدد المفرد انظره فيما سبق .
وتعدد الجملة
نحو : الصيف نهاره طويل ليله قصير .
وتعدد شبه
الجملة نحو : الكتاب أمامك قربك .
ومثال المختلط
: هذا طائر يغرد . فطائر خبر أول مفرد ، ويغرد خبر ثان جملة فعليه .
4 ـ يصح
الإخبار عن النكرة بالمعرفة .
نحو الاّية
: ( وإن تعجب فعجب قولهم )1 .
فعجب خبر
مقدم ، ولا بد فيه من تقدير صفة ، لأنه لا يتمكن المعنى فلا بد من تقييده ، والتقدير
: فعجب غريب ، وإذا قدرنا أن " عجب " موصوف جاز أن يعرب مبتدأ ، لأنه
نكرة وسوغ الابتداء بها الوصف المقدر ، وقولهم خبر معرف بالإضافة .
ومنه الاّية
: ( أم من هذا الذي هو جند لكم )2 .
5 ـ يكثر
حذف الخبر إذا كان معادلا .
38 ـ نحو الاّية
: ( فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا ) 3 .
والاّية :
( أم من هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما ) 4 .
فمن في
الآية الأول مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : أشد .
وفي الثانية
: مقابله محذوف لفهم المعنى والتقدير : أهذا القانت خير أم الكافر .
6 ـ اقتران الخبر بالفاء
إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء على خبره ، وذلك بالشروط التالية :
1 ـ أن يكون المبتدأ دالا على الإبهام والعموم كالأسماء
الموصولة ، أو النكرة .
أن يكون
الخبر مترتبا على هذه الجملة لكي يشبه جواب الشرط المترتب على فعل
الشرط .
ويكون الاقتران
واجبا إذا وقع المبتدأ بعد أما الشرطية :
نحو : أمّا
خالد فمؤدب . وأمّا علي فمجتهد .
ويكون الاقتران
جائزا إذا دل المبتدأ على إبهام ، أو عموم كاسم الموصول ، والنكرة الموصوفة .
أ ـ الاسم الموصول إذا كانت الصلة فعلا ، أو ظرفا .
نحو : الذي
يعمل بإخلاص فله مكافأة .
ونحو : من
في الملعب فعليه جزاء .
ومنه الاّية
: ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم )1 .
ب ـ النكرة الموصوفة إذا كانت الصفة فعلا ، أو ظرفا أيضا
.
نحو : طالب
يجتهد فناجح .
ونحو : ما
تقرؤون من علم فللفائدة .
ونحو : ما
بنا من قصور فمن أنفسنا .
ومنه الاّية
: ( وما بكم من نعمة فمن الله )2 .
7 ـ مراعاة مطابقة الخبر للمبتدأ .
ذكرنا أن من أحكام الخبر أن يكون مطابقا للمبتدأ ، ولكن وردت بعض الآيات القرآنية قد
توهم بعض الدارسين أنها مخالفة لهذا الحكم ، أعني عدم المطابقة ، غير أنه إذا ما أمعنا
فيها النظر نجد المطابقة قائمة بين المبتدأ وخبره .
1 ـ من حيث الإفراد والتثنية والجمع :
أ ـ إفراد
المبتدأ لفظا وجمع الخبر :
نحو الاّية
: ( تلك أمانيهم )3 .
فتلك مبتدأ
مفرد ، وأمانيهم خبر جمع تكسير مفرده أمنية .
والتخريج على
النحو التالي : أفرد المبتدأ لفظا ، لأنه كناية عن المقالة ، والمقالة مصدر يصلح
للقليل والكثير ، فأريد بها الكثير باعتبار القائلين ، ولذلك جمع
الخبر ، فتمت المطابقة من حيث المعنى في الجمع .
ب ـ جمع
المبتدأ وإفراد الخبر على المعنى :
نحو الاّية
: ( هن أم الكتاب )1 .
هن : ضمير
جماعة النسوة مبتدأ ، وأم خبر مفرد .
التخريج :
أن جميع الآيات بمنزلة آية واحدة ، فأفرد الخبر على المعنى .
ويجوز أن
يكون المعنى : كل منهن أم الكتاب ، نحو الاّية :
( فاجلدوهم
ثمانين جلدة )2 .
أي : فاجلدوا
كل واحد منهم .
2 ـ من حيث التذكير والتأنيث :
يجب مطابقة
الخبر للمبتدأ من حيث التذكير والتأنيث ، ولكن قد نرى في بعض الآيات مخالفة ، وهذه
المخالفة لها تخريج لتتم المطابقة .
نحو الاّية
: ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي )3 .
هذا : اسم
إشارة للمفرد المذكر في محل رفع مبتدأ .
ربي : خبر
مفرد مذكر .
غير أن
" هذا " عائد على الشمس ، والشمس مؤنث مجازي ، وهنا عدم المطابقة بين
المبتدأ العائد على مؤنث ن وبين الخبر المذكر .
التخريج :
جاء المبتدأ مذكرا مع أنه عائد على مؤنث على اعتبار وجود حذف ،
والتقدير :
هذا المرئي .
وقيل أن
الشمس هنا بمعنى الضياء ، والضياء مذكر فتمت المطابقة .
وقيل جعل
المبتدأ مثل الخبر ـ أي متطابقان في التذكير ـ لكونهما عبارة عن شيء واحد نحو قولنا
: ما جاءت حاجتك .
وكان اختيار
هذه الطريقة لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ، فقالوا في صفة الله : علام الغيوب ،
ولم يقولوا علامة ، وإن كان علامة أبلغ ، وذلك احترازا من علامة التأنيث .
ومنه الاّية
: ( فذانك برهانان من ربك )1 .
فذانك :
مبتدأ ، وهو اسم إشارة للمثنى المذكر ، ولكنه جاء هنا إشارة إلى العصا واليد وهما مؤنثان
.
والتخريج
: أن تذكيره جاء ليطابق تذكير الخبر .
8 ـ إذا كان ظرف الزمان نكرة ، وأخبر به عن المصدر فإنه
يجوز فيه الرفع ، والنصب ، سواء كان الحدث مستغرقا للزمان ، أو غير مستغرق . (2)
نحو الاّية
: ( الحج أشهر معلومات )3 .
فالحج مبتدأ
، وأشهر خبر ، وفي أحدهما محذوف مقدر ، فإن قدرت في المبتدأ
قلت اشهر
الحج ، وإن قدرت في الخبر قلت : حج أشهر .
9 ـ الخبر الجار والمجرور ، والخبر الظرف بنوعيه ، في
الحقيقة ليس هو الخبر ، وإنما هو متعلق بمحذوف في محل رفع خبر ، وتقدير المحذوف :
كائن ، أو
مستقر ، والضمير المستتر فيه انتقل إلى الجار والمجرور ، أو الظرف .
كقول جميل
بثينة :
فإن يك جثماني بأرض سواكم فإن فؤادي عندك الدهرَ أجمعُ
الشاهد فيه
قوله : " أجمع " بالرفع ، وهو من ألفاظ التوكيد المعنوي ، ولكنه لا يصلح
أن
يكون
توكيدا لأي من فؤادي ، أو عندك ، أو الدهر لأن كل واحد منها منصوب ، والمرفوع لا يصلح
أن يكون توكيدا للمنصوب ، ولا يصلح أن يكون توكيدا لمحذوف ، لأن التوكيد ينافي الحذف
، فلم يبق إلا أن يكون توكيدا لضمير مستكن في الظرف الواقع متعلقه خبرا ، لأن هذا
الضمير مرفوع على الفاعلية ، فدل ذلك على أن الضمير الذي كان مستكنا في المتعلق الواقع
خبرا قد انتقل من هذا المتعلق إلى الظرف فاستكن فيه .
10 ـ ذكرنا
في موضعه أن ظرف الزمان يصلح أن يقع خبرا عن المبتدأ المعنى فقط ، ونضيف أن يكون
ذلك مشروطا ، وهذا الشرط هو تحقيق الإفادة ، بمعنى أن يكون الزمن خاصا .
نحو :
الحفل ليلة الخميس . والسفر يوم الجمعة . والعطلة بعد ظهر الأربعاء .
وألا يكون الزمن عامَّا لعدم الإفادة . نحو : السفر حينا . والرحلة دهرا .
كما أن ظرف
الزمان لا يصلح أن يكون خبرا عن الذات " الشيء المحسوس " إلا قليلا ،
وذلك حين تتم الفائدة ، ولتمام الفائدة شروط هي :
أ ـ أن يتخصص ظرف الزمان بنعت .
نحو : نحن
في يوم شديد الحرارة .
أو يتخصص
بعلمية . نحو : نحن في رمضان .
أو بإضافة
. نحو : نحن في يوم الجمعة .
وفي هذه
الصور يجب جر ظرف الزمان بحرف الجر " في " .
ولا يعرب
في حالة رفعه ، أو جره ظرفا ، ولا يسمى ظرفا اصطلاحا ، لأن هذه التسمية الاصطلاحية
مقصورة على الظرف عندما يكون منصوبا على الظرفية فقط .
ب ـ أن يكون المبتدأ الذات مما يتجدد ، بمعنى أن يظهر في
بحض الأحيان دون بعضها ، فيكون شبيها بالمبتدأ المعنى ، وفي هذه الحالة يجوز نصب الظرف ، أو جره بفي ،
وفي حالة الجر لا يعتبر ظرفا كما ذكرنا سابقا .
نحو :
العنب شهور الصيف ، أو في شهور الصيف .
ونحو :
والبلح شهور الشتاء ، أو في شهور الشتاء .
ج ـ أن يكون المبتدأ الذات صالحا لتقدير مضاف قبله تدل
عليه القرائن ، بحيث يكون ذلك المضاف أمرا معنويا مناسبا .
نحو :
المدرسة صباحا . والبيت عصرا .
والتقدير :
عمل المدرسة صباحا ، وملازمة البيت عصرا .
11 ـ حالات إعراب ظرف الزمان الواقع خبرا :
أ ـ إن وقع
ظرف الزمان خبرا عن معنى ليس للزمان جاز رفعه ونصبه وجره بفي ، ويكون المرفوع هو
الخبر مباشرة ، ويكون المنصوب ، أو المجرور مع حرف الجر الأصلي في محل رفع
خبر .
نحو :
العطلة أسبوعٌ ، أو أسبوعاً ، أو في أسبوع . والتقدير : زمن العطلة . . .
والأحسن الرفع
مباشرة إن كان الزمان نكرة والمبتدأ معنى . نحو : السفر يومٌ .
ب ـ إن كان
ظرف الزمان من أسماء الشهور ووقع خبرا عن مبتدأ هو معنى وزمان ، تعين رفع الخبر .
نحو : شهر
الصوم رمضان . وأول العام الهجري المحرم .
ج ـ وإن لم يكن الخبر الظرف من أسماء الشهور ، ولكن لفظ
المبتدأ يتضمن ـ في معناه عملا ـ جاز الرفع والنصب .
نحو :
العيد اليوم . والجمعة اليوم . والسبت اليوم .
وذلك لتضمنها
معنى العود والجمع والقطع .
ومنه قولنا
: اليوم يومك . لتضمنه معنى : شأنك الذي تذكر به .
د ـ وإن كان الظرف للمكان ووقع خبرا عن ذات ، أو معنى ،
وكان متصرفا ، ـ والظرف المتصرف هو ما يترك النصب على الظرفية إلى الحالات الإعرابية الأخرى
غير الجر بالحرف كالرفع مبتدأ ، أو فاعلا ، أو نائب فاعل ، أو مفعولا به ـ جاز
رفعه ونصبه .
نحو :
الرجال جانب ، أو جانبا . والنساء جانب ، أو جانبا .
برفع جانبا
ونصبها .
ونحو :
المسجد أمامك . والحديقة خلفك . برفع أمامك ، أو خلفك ، أو نصبهما .
ومثال وقوعه
عن معنى : العلم ناحيتك ، والعمل ناحيتك .
برفع ، أو
نصب ناحية .
12 ـ إذا كان الخبر جملة معناها هو معنى المبتدأ نحو :
قولي : السلام عليكم .
ونحو :
حديثي : احذروا العملاء .
يجوز في
إعراب الخبر الجملة إعرابان :
الأول : أن
نعرب الجملة مفصلة ، فنقول : السلام مبتدأ ثان ، وعليكم متعلقان بمحذوف في محل رفع
خبر المبتدأ الثاني ، والجملة الاسمية في محل رفع الخبر الأول .
والثاني :
أن نعرب الجملة أعرابا مجملا ، أي كأنها كلمة واحد دون أن نغير من ضبطها ، ونقول هي
خبر مرفوع بضمة مقدرة على آخره لأجل الحكاية ، ويكون الخبر في هذه الحالة من قبيل
الخبر المفرد . (1)
وهذا ما
يعرف بالجملة المحكية .
وقد تكون
الحكاية في المبتدأ فيكون جملة والخبر مفردا يتضمن معناها .
كأن يسأل
سائل دلني على آية قرآنية فتجيب :
( قل هو
الله أحد ) آية قرآنية .
فالآية كلها
من مطلعها إلى منتهاها مبدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية ، وكلمة
" آية " خبر المبتدأ .
وقد مر
معنا مثل هذا الإعراب في إعراب العلم المركب تركيبا إسناديا : كتأبط
شرا ، وشاب
قرناها ، وسر من رأى فتدبره .
ــــــــــــ
نحو : تأبط
شرا شاعر جاهلي .
ونحو : سر
من رأى مدينة عراقية .
12 ـ يصح عطف الخبر المفرد على الخبر الجار والمجرور .
نحو الاّية
: ( فهي كالحجارة أو اشد قسوة ) 1 .
13 ـ يصح أن تقع جملة القسم خبرا .
نحو الاّية
: ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم
سيئاتهم ) 2 .
لأكفرن جواب
القسم المحذوف ، والقسم وجوابه خبر عن المبتدأ " الذين " .
ومنه الاّية
: ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله )3 .
ومنه قول
الشاعر :
جشأت فقلت الذي خشيت ليأتين وإذا أتاك فلات حين مناص
وفي ذلك رد
على ثعلب الذي زعم أن الجملة القسمية لا تكون خبرا .
14 ـ تقع جملة التشبيه خبرا .
نحو الاّية
: ( الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ) 4 .
الذين مبتدأ
، وجملة التشبيه " كأن لم .. " في محل رفع خبر .
وأجاز العكبري
أن تكون جملة التشبيه في محل نصب حال ن والخبر جملة
كذبوا ،
وإذا كان الأمر كذلك فأين صلة الموصول ؟
وإن كانت
جملة كذبوا هي صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ن فكيف تكون في نفس الوقت في محل
رفع خبر ؟
والذي أراه أن جملة التشبيه تأتي صلة في الوقت الذي لا يكون فيه اسم الموصول مبتدأ
.
ــــــــــــــ
كما في قول
الشاعر :
ألا أيهذا المنزل الدارس الذي كأنك لم يعهد بك الحي عاهد
فجملة التشبيه
" كان وما بعدها " جاءت صلة لاسم الموصول لا محل لها من الإعراب ، واسم الموصول
في محل رفع صفة لمنزل .
أما في
الآية السابقة فلا يكون الذي إلا مبتدأ والجملة الفعلية بعدة صلة لا
محل لها ، وجملة التشبيه هي الخبر والله أعلم .
15 ـ ويصح وقوع الجملة الإنشائية خبرا للمبتدأ . نحو الاّية
:
( والذين
كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم ، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) 1
.
الذين :
مبتدأ ، وكذبوا صلته ، وحبطت أعمالهم في محل رفع خبر .
ويجوز أن
يكون الخبر هل يجزون ، وحبط أعمالهم كما يذكر العكبري (2) .
ومنه الاّية
: ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
)3.
الذين :
مبتدأ وهو اسم موصول تضمن معنى الشرط لذلك دخلت الفاء على خبر : " فبشرهم
" .
16 ـ عرفنا
فيما سبق أنواع الرابط في الخبر الجملة ، وأن هذا الرابط من شروطه أن يكون موجودا
في الجملة . غير أنه قد يحذف في بعض الأحيان .
نحو الاّية
:
( أمن
الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله ) 4 .
فقد أجاز
أبو حيان والعكبري : أن يكون " المؤمنون " مبتدأ أول ، كل مبتدأ ثان ،
وأمن بالله خبر
ـــــــــــــ
المبتدأ
الثاني ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول ، والرابط محذوف
.
التقدير :
كل منهم . كقولهم : السمن منوان بدرهم . (1)
ومنه الاّية
: ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ) 2 .
فالذين مبتدأ
أول ، وجزاء مبتدأ ثان ، وبمثلها خبر المبتدأ الثاني ، والجملة في محل رفع خبر
المبتدأ الأول ، والرابط محذوف تقديره : منهم . ومنه الاّية :
( والذين
عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) 3 .
الخبر : عن
ربك لغفور رحيم ، والرابط محذوف تقديره : لهم .
17 ـ يمكن الفصل بين المبتدأ والخبر .
كما في الاّية
: ( وهم بالآخرة هم يوقنون ) 4 .
هم : مبتدأ
، وخبره : يوقنون ، وبالآخرة متعلق به ، ولما فصل بين المبتدأ والخبر بمتعلق الخبر
أعيد المبتدأ ثانيا ليتصل بخبره في الصورة .
ومنه الاّية
: ( وهم في الآخرة هم الأخسرون ) 5 . ومنه الاّية :
( والذين
كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم ) 6 .
الذين مبتدأ
، وقيل خبره " ما لهم من الله من عاصم " وقد فصل بينهما بجملتين ،
والصحيح جوازه
، ومنعوا الاعتراض بثلاث جمل أو بأربع .
18 ـ قد يجر المبتدأ بحر جر زائد " الباء ومن
" ، أو شبه الزائد " رب " ، فيكون المبتدأ مجرورا لفظا مرفوعا محلا .
نحو :
بحسبك لقمة تقيم أودك .
39 ـ ونحو الاّية
: ( وهل من خالق غير الله ) 1 .
ومنه قول
الشاعر :
بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غني مُضِر
وتزاد من
مع المبتدأ بشرطين :
أ ـ أن
يتقدمها نفي ، أو استفهام بهل .
2 ـ أن
يكون مدخولها نكرة .
20 ـ فمثال
النفي قول النابغة الذبياني :
وقفت فيها أصيلا كي أسائلها عيّت جوابا وما بالربع
من أحد
الشاهد قوله
: من أحد . من حرف جر زائد ، وأحد مبتدأ مؤخر مرفوع محلا مجرور لفظا .
ومنه الاّية
: ( هل لنا من شفعاء ) 2 .
أما الكوفيون
والأخفش فيقولون بزيادة " من " دون شروط .
وتدخل " ربَّ " على المبتدأ إذا كان نكرة موصوفة ، وهذا الوصف قد
يكون مفردا ، وقد يكون جملة اسمية ، أو فعلية ، وقد يكون مذكورا ، وقد
يكون مقدرا معنويا .
مثال دخولها
على المبتدأ الموصوف بمفرد قول امريء القيس :
ألا رب يوم
صالح لك منهما ولا سيما يوم بدارة جلجل
ومثال دخولها
على المبتدأ الموصوف بجملة فعليه قول سويد اليشكري :
رب من أنضجت غيظا قلبه قد تمني لي موتا لم يُطَع
ومثال دخولها
على المبتدأ الموصوف بجملة اسمية قول لبيد :
" يا رب هيجا هي خير من دمعة "
ومثال دخولها
على المبتدأ النكرة التي حذفت صفتها قول هند بنت عتبة :
يا ربّ قائلة غدا يا لهف أم معاويهْ
يا ربّ باكية غدا في الباكيات وباكه
19 ـ إذا جاء الاسم المفضل الواقع بعد لا سيما مرفوعا
فهو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره : هو . نحو : أحب قراءة الكتب ولا سيما كتبُ الأدب .
والتقدير :
ولا مثل التي هي كتب الأدب .
20 ـ بعض المبتدآت تتضمن معنى الشرط فيقترن خبرها بالفاء
، وتعرف هذه الفاء بالفاء الفصيحة وهي زائدة ، وذلك إذا كان المبتدأ نكرة عامة . (1)
نحو : كل
خير يصيبنا فمن الله ، وكل شر يصيبنا فمن أنفسنا .
وكذلك كان المبتدأ نكرة موصوفة ، أو اسما موصولا صلته جملة فعلية ، أو ظرف ، أو اسما
موصوفا بالاسم الموصول ، أو بالجملة الفعلية ، أو الظرف ، أو الجار والمجرور فإنه
يجوز زيادة الفاء في خبره .
فالموصول الذي
صلة جملة فعليه نحو الاّية :
( وما
أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ) 2 .
والاّية (
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) 3 .
ومثال الموصوف
بالجار والمجرور فالاّية : ( وما بكم من نعمة فمن الله )4.
ومثال الموصوف
بالاسم الموصول الاّية :
( والقواعد
من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح )5 .
ــــــــــــــ
ومما تجدر
الإشارة إليه أن كل مبتدأ تضمن معنى الشرط ، أو لمح في معناه ولو إشارة بعيدة إلى
معنى الشرط جاز في خبره الاقتران بالفاء .
نحو قول
زينب بنت الطرية :
يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما وكل الذي حمَّلتَه فهو
ظالم .
وقد زيدت
الفاء في كل أخبار المبتدآت التي فيها معنى الشرط .
نالاّية :
( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار وسرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ) 1 .
والاّية :
( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) 2 .
ولا تحذف
الفاء الزائدة من أخبار تلك المبتدآت إلا إذا دخل عليها أحد النواسخ ، ما عدا
" إنَّ وأن ، ولكن " فتبقى الفاء في أخبارها .
نحو الاّية
: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ) 3 .
ومنه قول
الشاعر :
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم ولكنَّ ما يُقضي فسوف
يكون
21 ـ يكون
المبتدأ في أول الجمل التالية :
الجملة الابتدائية
. نحو : العلم نور .
الجملة الحالية
. نحو : وصلت وصديقي ينتظر .
الجملة النعتية
. نحو : رأيت لاعبا قدمه لا تخطئ الهدف .
قدمه :
مبتدأ ، والجملة بعده في محل رفع خبر ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب صفة لرجلا
.
الجملة الخبرية
. نحو : الظلم مرتعه وخيم .
جملة صلة
الموصول . نحو : التقيت بالذي أبوه فاضل .
تعليقات
إرسال تعليق